بحيرة “تُنكٌن” : أحزان تطفو على شاطئ الحياة


ظل طريق روصو – بوكى يشكل حلماً كبيرا لسكان مدن الضفة الجنوبية  قبل أن يتم تشييده قبل عقدين ليصبح من أكثر الطرق نشاطاً وحيوية في الجنوب الموريتاني.

ويقطع الطريق الذي يمتد على مسافة طولها 200 كلم بمحاذاة النهر السنغالي عدة جسور ساهمت بشكل كبير في فك العزلة عن الكثير من المدن التي ظلت إلى وقت قريب يتعذر الوصول إليها بالسيارات لانتشار الرواسب النهرية والمطبات الرملية المحيطة بها.

على بعد 3 كلم شرق مدينة روصو على طريق بوكى يقوم جسر مبني من حجارة منحوتة له قناطر متعددة تم تثبيتها كقاعدة لبحيرة  ” تونگن” إحدى أبرز البحيرات المتفرعة من النهر السنغالي باتجاه المدينة.

تسيل البحيرة في مجرى ضيق يمر بمحاذاة قرية صغيرة تنمو حياتها حول تلك البحيرة ، فمنها يشربون وفيها يصطادون وبها يروون حقولهم الزراعية ، فلا يكاد يخلو حديث شخصي أو عائلي ولا حديثا عاما من ذكر البحيرة التي ألفتها العيون وتربت حولها الأجيال.

حين يتحدث عمر عن ذكريات مضت عليها ثمان عقود تتغير ملامح وجهه الذي يساير الزمن ، فهنا أولى نزهاته حين كان طفلاً وأولى مغامراته ونزواته حين كان شابٌاً يافعاً فيحدثك عن “سلام” البحيرة وعلاقتها الطيبة والمتعددة مع السكان رغم التموّج واضطراب المناخ.

لا يخفي عمر قلقه من حالات الغرق التي شهدتها البحيرة في الفترة الأخيرة خاصة خلال العامين الأخيرين بعد غرق خمسة أشخاص تم انتشال بعضهم بطريقة دراماتيكية تركت أثراً بالغاً في نفوس السكان كما يقول عمر.

لا تغيب حادثة غرق الطالب الشاب سيدي ولد شيخان ولد سيدينا ،قبل عامين ،عن أذهان زملائه في المعهد العالي التعليم الكنلوجي بروصو حين فشلت الحماية المدنية في انتشاله طيلة يومين من البحث قبل أن تستغيث بفرق للإنقاذ من السنغال في مشهد لازال الشرطي أحمد يتذكر كل تفاصيله المؤلمة.

يعقوب شاب في عقده الثالث لايفارقه هاجس الخوف من الغرق رغم مهارته العالية في السباحة والتي يقول أنه ورثها كابراً عن كابر غير أن فقده لصديقين له في العام المنصرم صرفه عن البحيرة وارتيادها لما سببته من ألم بالغ في نفسه على حد تعبيره.

 اعتادت أسرة الطفل ” أوسو” ذي الأحد عشر عاما على عودته متأخراً بعد خروجه للترفيه مع أصدقائه في القرية غير أن حادثاً لم يكن يخطر على بال والدته التي افتقدته ذات مساء حزين طرقت خلاله كل الأبواب بحثاً عنه لتستيقظ يومها الثاني على نبإ العثور عليه عند شاطئ البحيرة التي كانت آخر محطات حياته القصيرة.

 ورغم تزايد حالات الغرق وضعف وسائل الإنقاذ في الولاية لاشيء يوثر على ذلك الارتباط العميق لسكان ” تونگن” بتلك البحيرة ما دامت الشمس تشرق كل صباح ليرى السكان ما حولها حسب تعبير عمر.

شارك هذه المادة